فصل: الطرف السابع في ذكر ملوك مكة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف السابع في ذكر ملوك مكة:

وهم على ضربين:
الضرب الأول: ملوكها قبل الإسلام:
اعلم أن مكة بعد الطوفان كان ملكها في عاد، وكان بها منهم معاوية بن بكر ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، وكان مع معاوية بن بكر وهو عادٌ الآخرة فيما يقال يعرب ثم غلبهم العمالقة عليها. فلما غلب ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أفخشذ بن سام بن نوح عادا على اليمن وفرق ملك اليمن في إخوته، استولى على الحجاز وأخرج العمالقة منه وولى أخاه جرهم بن قحطان على الحجاز، فبقي به حتى مات. فملك بعده ابنه عبد ياليل. ثم ملك من بعده ابنه جرهم؛ ثم ملك بعده ابنه عبد المدان؛ ثم ملك بعده ابنه بقيلة؛ ثم ملك بعده ابنه عبد المسيح؛ ثم ملك بعده ابنه مضاضٌ؛ ثم ملك بعده ابنه الحرث؛ ثم ملك بعده ابنه عمرو؛ ثم ملك بعده أخوه بشر بن الحرث، ثم ملك بعده مضاض بن عمرو بن مضاضٍ.
قال ابن سعيد: وجرهم هذه هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم، وكانت قبلهم جرهم أخرى مع عادٍ. قال في الروض المعطار: وفي ذلك يقول عمرو بن الحرث بن مضاضٍ، وهو التاسع من ملوك جرهم المتقدم ذكرهم:
وصاهرنا من أكرم الناس والداً ** فأبناؤه منا ونحن الأصاهرة

قال صاحب حماة في تاريخه: وقد اختلف المؤرخون في أمر الملك على الحجاز بين جرهم وبين إسماعيل فبعضهم يقول: كان الملك في جرهم، ومفاتيح الكعبة وسدانتها في يد ولد إسماعيل، وبعضهم يقول: إن قيدار بن إسماعيل توجته أخواله من جرهم وعقدوا له الملك عليهم بالحجاز.
وأما سدانة البيت ومفاتيحه فكانت مع بني إسماعيل بلا خلاف حتى انتهى ذلك إلى نابتٍ من ولد إسماعيل، فصارت السدانة بعده لجرهم؛ ويدل على ذلك قول عمرو بن الحارث:
وكنا ولاة البيت من بعد نابتٍ ** نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر

وذكر في الروض المعطار: أنه كان مع جرهم بمكة قطورا، وجرهم وقطورا أخوان، وكان منزل جرهم أعلى مكة بقعيقعان فما حاز، ومنزل قطورا أسفل مكة بأجياد فما حاز، وانتهت رياسة قطورا في زمن مضاض بن عبد المسيح المتقدم ذكره إلى السميدع، وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها، والسميدع يعشر من دخلها من أسفلها، ثم بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك واقتتلوا فقتل السميدع، واستقل مضاض بالأمر، وبقيت جرهم ولاة البيت نحو ثلاثمائة سنة فأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها واستحلوا حرمها، وبلغ من أمرهم أن الرجل إذا لم يجد مكاناً يزني فيه الكعبة فزنى فيها، ولم يتناهوا حتى يقال إن إساف بن سهيل زنى بنائلة بنت عمرو بن ذؤيب في جوف الكعبة فمسخا حجرين، ونضب ماء زمزم لكثرة البغي ودرست معالمها؛ ثم جاء عمرو بن لحي فغير دين إبراهيم عليه السلام وبدله وبعث العرب على عبادة التماثيل، وعمر ثلثمائة سنة وخمساً وأربعين سنة، وبلغ من الولد وولد الولد ألفين.
ثم صارت سدانة البيت ومفاتيحه إلى خزاعة بن الأزد من بني كهلان بن سبإٍ من العرب العاربة، وكانت منازلهم من حين تفرق عرب اليمن بسبب سيل الرم ببطن مر على القرب من مكة؛ وصارت لهم الرياسة بسدانة البيت، وبقيت السدانة بيدهم إلى أن انتهت إلى أبي غبشان: سليمان بن عمرو الخزاعي في زمن بهرام جور بن يزدجرد من ملوك الفرس؛ ورئيس قريش يومئذ قصي بن كلابٍ، فاجتمع قصي مع أبي غبشان على شرابٍ بالطائف، فلما سكر أبو غبشان اشترى قصي سدانة البيت بزق خمر وتسلم مفاتيحه وأشهد عليه بذلك، وأرسل ابنه عبد الدار بها إلى البيت فرفع صوته وقال: يا معشر قريش هذه المفاتيح: مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل، قد ردها الله عليكم من غير عارٍ ولا ظلم. فلما صحا أبو غبشان ندم حيث لا ينفعه الندم. ويقال: أخسر من صفقة أبي غبشان، وأكثر الشعراء القول في ذلك حتى قال بعضه:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ** بزق خمرٍ فبئست صفقة البادي

باعت سدانتها بالنزر وانصرفت ** عن المقام وظل البيت والنادي

ولما وقع ذلك عدت خزاعة على قصي فظهر عليهم وأجلاهم عن مكة؛ وكان بمكة عرب يجيزون الحجيج إلى الموقف، وكان لهم بذلك رياسة فأجلاهم قصي عن مكة أيضاً وانفرد بالرياسة. قال العسكري في الأوائل: وكان أول من نال الملك من ولد النضر بن كنانة.
ولما تم لقصي ذلك بنى دار الندوة بمكة، فكانت قريش تقضي فيها أمورها فلا تنكح ولا تشاور في أمر حرب ولا غيره إلا فيها؛ ولم تزل الرياسة فيه وفي بنيه بعد ذلك. فولد له من الولد عبد منافٍ وعبد الدار وعبد العزى.
ثم انتقلت الرياسة العظمى بعد ذلك لبني عبد منافٍ، وكان له من الولد هاشمٌ وعبد شمسٍ والمطلب ونوفلٌ؛ وكان هاشم أرفعهم قدراً وأعظمهم شأناً، وإليه انتهت سيادة قومه؛ وكانت إليه الرفادة وسقاية الحجيج بمكة؛ وكانت قريش تجاراً، وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها فخرج هاشم إلى الشام حتى نزل بقيصر ملك الروم فسأله كتابة أمانٍ لتجار قريش، فكتب له كتاباً لكل من مر عليه، فخرج هاشم فكلما مر بحي من العرب أخذ من أشرافهم أماناً لقومه حتى قدم مكة، فأتاهم بأعظم شيء أتوا به قط بركةً، فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم حتى أوردهم الشام؛ وخرج أخوه المطلب إلى اليمن فأخذ لهم أماناً كذلك؛ وخرج أخوهم نوفلٌ إلى كسرى ملك الفرس فاخذ لهم منه أماناً. وكانت قريش يرحلون في الشتاء للشام وفي الصيف لليمن، واتسعت معايشهم بسبب ذلك، وكثرت أموالهم حتى امتن الله عليهم بذلك بقوله: {لئيلاف قريشٍ * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف} والإيلاف الأمان.
وأما سدانة البيت ومفاتيحه، فبقيت بيد بني عبد الدار بن قصي المتقدم ذكره من حين تسليمها عبد الدار عند أخذها من أبي غبشان الخزاعي حتى صارت لبني شيبة من بني عبد الدار، وانتهت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة ابن عبد الدار. فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذه منه وفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فصلى ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزل قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً أن يرد المفتاح إلى عثمان ويعتذر إليه، فقال عثمان: أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق؟ فقال له علي: لقد انزل الله تعالى في شأنك قرآناً، وقرأ عليه الآية، فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن السدانة في أولاد عثمان أبداً، فهي باقية فيهم إلى الآن.
الضرب الثاني: ملوكها في الإسلام:
وهم على طبقات:
الطبقة الأولى عمال النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون:
هاجر منها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل وفاته، وحج حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، وتوفي سنة إحدى عشرة من الهجرة وعلى مكة عثمان بن أسيد، وتوالت عليها عمال الخلفاء بعده إلى آخر أيام الحسن بن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه.
الطبقة الثانية: عمال بني أمية من لدن معاوية رضي الله عنه إلى انقراضهم:
ثم ولى عليها معاوية بن أبي سفيان في خلافته في سنة اثنتين وأربعين من الهجرة خالد بن العاص بن هشام ثم أضيفت إلى عمال المدينة إلى أيام الوليد ابن عبد الملك فكان من وليها منهم الوليد بن عتبة ثم عمرو بن سعيد الأشدق ثم الوليد بن عتبة ثانياً؛ ثم مصعب بن الزبير من جهة أخيه عبد الله بن الزبير لما بويع له بالخلافة؛ ثم جابر بن الأسود ثم طلحة بن عبد الله بن عوف ثم طارق بن عمرو بن عثمان ثم الحجاج بن يوسف الثقفي ثم أبان بن عثمان ثم هشام بن إسماعيل المخزومي ثم عمر ابن عبد العزيز.
ثم افردها الوليد بن عبد الملك عن المدينة وولى عليها خالد بن عبد الله القسري بعد عمر بن عبد العزيز؛ ثم وليها عبد العزيز بن خالد بن أسيدٍ أيام سليمان بن عبد الملك؛ ثم عزله يزيد سنة ثلاث ومائة وأضافها مع المدينة إلى عبد الرحمن بن الضحاك، ثم عزله عن مكة والمدينة لثلاث سنين من ولايته وولى مكانه عبد الواحد النضري، ثم عزله هشام بن عبد الملك في خلافته وولى مكانه على مكة والمدينة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل ثم عزله هشام سنة أربع عشرة ومائة وولى مكانه على مكة والطائف دون المدينة محمد ابن هشام المخزومي؛ ثم ولى الوليد بن زيد في خلافة خاله يوسف بن محمد الثقفي على مكة مع سائر أعمال الحجاز؛ ثم ولى مروان على مكة وبر الحجاز عبد العزيز بن عمر، بن عبد العزيز ثم عزله في سنة تسع وعشرين ومائة وولى مكانه على مكة والحجاز عبد الواحد ثم توالت عليها عمال بني أمية إلى أن انقرضت دولتهم.
الطبقة الثالثة: عمال بني العباس:
وأولهم أبو العباس السفاح، فولى عليها وعلى المدينة وسائر الحجاز عمه داود ثم توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة؛ فولى مكانه في جميع ذلك زياد بن عبد الله بن عبد الدار الحارثي.
ثم ولى السفاح على ذلك سنة ثلاث وأربعين ومائة السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس.
ثم عزله أبو جعفر المنصور سنة ست وأربعين ومائة وولى مكانه عمه عبد الصمد بن علي ثم عزله عنها سنة تسع وأربعين ومائة وولى مكانه محمد بن إبراهيم الإمام ثم عزله وولى مكانه إبراهيم ابن أخيه ثم ولى على مكة وسائر الحجاز واليمامة جعفر بن سليمان؛ ثم توالت عليها العمال إلى أن ولى الرشيد في خلافته على مكة واليمن حماداً اليزيدي سنة أربع وثمانين ومائة.
ثم وليها في زمان الأمين داود بن عيسى.
ثم وليها محمد بن عيسى ثم عزله المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وولى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل.
ثم وليها علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين وولى مكانه عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى ثم عزله المتوكل سنة ثنتين وأربعين ومائتين وولى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العباس إلى أن غلب عليها السليمانيون الآتي ذكرهم آنفاً.
الطبقة الرابعة: السلمانيون من بني الحسن:
نسبة إلى سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط.
وكان سليمان هذا في أيام المأمون بالمدينة وحدثت الرياسة فيها لبنيه بعد أيام، وكان كبيرهم آخر المائة الثالثة محمد بن سليمان الربذي.
قال البيهقي: خلع طاعة العباسيين وخطب لنفسه بالإمامة في سنة إحدى وثلثمائة في خلافة المقتدر؛ ثم اعترضه أبو طاهر القرمطي في سنة ثنتي عشرة وثلثمائة، فانقطع حجيج العراق بسبب ذلك.
ثم أنفذ المقتدر الحجيج من العراق في سنة سبع عشرة وثلثمائة فوافاهم القرمطي بمكة فنهبهم، وخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية وقلع الحجر الأسود وباب الكعبة وحملهما إلى الأحساء، وتعطل الحج من العراق إلى أن ولي الخلافة القاهر في سنة عشرين وثلثمائة فحج بالناس أميره في تلك السنة.
ثم انقطع الحج من العراق بعدها إلى أن صولحت القرامطة على مال يؤديه الحجيج إليهم، فحجوا في سنة سبع وعشرين وثلثمائة؛ وخطب بمكة للراضي بن المقتدر، وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المتقي من بعده.
ثم انقطعالحج من العراق بسبب القرامطة إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة؛ فخرج ركب العراق بمهادنة القرامطة في خلافة المستكفي؛ ثم خطب بمكة لمعز الدولة بن بويه مع المقتدر في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة؛ ثم تعطل الحج بسبب القرامطة؛ ثم برز أمر المنصور الفاطمي صاحب إفريقية لأحمد بن أبي سعيد أمير القرامطة بعد موت أبي طاهر بإعادة الحجر الأسود إلى مكانه فأعاده في سنة تسع وثلاثين وثلثمائة.
وفي سنة ثنتين وأربعين وثلثمائة حأول أمير الركب المصري الخطبة لابن الأخشيد صاحب مصر فلم يتأت له ذلك وخطب لابن بويه، واتصلت وفود الحج من يومئذ.
سوفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة مع المطيع.
وفي سنة ست وخمسين وثلثمائة خطب بمكة لبختيار بن معز الدولة بعد موت أبيه.
ثم في سنة ستين وثلثمائة جهز المعز الفاطمي عسكراً من إفريقية لإقامة الخطبة له بمكة وعاضدهم بنو الحسين أهل المدينة فمنعهم بنو الحسن أهل مكة من ذلك واستولوا على مكة.
فلما ملك مصر المعز كان الحسن بن جعفر بن الحسن بن سليمان بالمدينة فبادر فملك مكة ودعا للمعز وكتب له المعز بالولاية؛ ثم مات الحسن فولي مكانه أخوه عيسى.
ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر بن أبي هاشم، ثم الحسن بن محمد بن سليمان بن داود سنة أربع وثمانين وثلثمائة؛ ثم جاءت عساكر عضد الدولة بن بويه ففر الحسن وترك مكة. ولما مات المعز وولي ابنه العزيز، بعث إلى مكة أميراً علوياً فخطب له بالحرمين واستمرت الخطبة بمكة للعلويين إلى سنة سبع وستين وثلثمائة.
في سنة ثمان وستين خطب لعضد الدولة بن بويه، ثم عادت الخطبة بمكة إلى الخلفاء الفاطميين بمصر؛ ثم كتب الحاكم سنة ثنتين وأربعين وأربعمائة إلى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأنكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة وحمله ذلك على أن استبد بالأمر في مكة وخطب لنفسه وتلقب بالراشد بالله، وقطع الحاكم الميرة عن الحرمين فرجع أبو الفتوح إلى طاعته فأعاده إلى إمارته بمكة.
وفي سنة ثنتي عشرة وأربعمائة خطب بمكة للظاهر بن الحاكم؛ ثم خطب بمكة سنة سبع وعشرين وأربعمائة للمستنصر بن الظاهر؛ ثم توفي أبو الفتوح أمير مكة المتقدم ذكره سنة ثلاثين وأربعمائة لست وأربعين سنة من إمارته.
وولي بعده إمارة مكة ابنه شكر وملك معها المدينة واستضافها لمكة، وجمع بين الحرمين كله ثلاثاً وعشرين سنة ومات سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. قال ابن حزم: وكانت وفاته عن غير ولد وانقرضت بموته دولة بني سليمان بمكة.
الطبقة الخامسة: الهواشم:
نسبة إلى أبي هاشم: محمد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط.
كان رئيس الهواشم لما مات شكر آخر أمراء السليمانيين محمد بن جعفر بن أبي هاشم المذكور فاستولى على إمارة مكة في سنة أربع وخمسين وأربعمائة بعد موت شكر، وخطب للمستنصر الفاطمي صاحب مصر، ثم خطب لبني العباس في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ذلك فأعاد الخطبة للمستنصر الفاطمي، ثم استماله القائم العباسي وبذل له الأموال فخطب له سنة ثنتين وستين بالموسم فقط، وكتب للمستنصر بمصر يعتذر إليه، ثم بعث إليه السلطان ألب أرسلان السلجوقي بأموال كثيرة في سنة ثلاث وستين فخطب له بنفسه.
ثم جمع محمد بن جعفر المتقدم ذكره وزحف إلى المدينة فأخرج منها بني الحسين وملكها وجمع بين الحرمين.
ثم مات القائم وانقطع ما كان يصل إلى أمير مكة منه فقطع الخطبة للعباسيين.
ثم أرسل المقتدي بالله العباسي بمال فأعاد الخطبة للعباسيين فاستمرت الخطبة لهم إلى أن مات السلطان ملكشاه السلجوقي سنة ست وثمانين وأربعمائة فانقطعت الخطبة بمكة للعباسيين وبطل الحاج من العراق، ومات المقتدي وبويع ابنه المستظهر، ومات المستنصر العبيدي بمصر وبويع ابنه المستعلي فخطب له بمكة.
ثم مات محمد بن جعفر أمير مكة المتقدم ذكره سنة سبع وثمانين وأربعمائة لثلاث وثلاثين سنة من إمارته؛ وولي بعده ابنه قاسم فكثر اضطرابه، ثم توفي سنة ثمان عشرة وخمسمائة لثلاثين سنة من إمارته.
وولي بعده ابنه أبو فليتة فافتتح بالخطبة العباسية وحسن الثناء عليه؛ ثم مات سنة سبع وعشرين وخمسمائة لعشر سنين من إمارته وولي بعده ابنه قاسم والخطبة مستمرة للعباسيين.
ثم صنع المقتفي باباً للكعبة وأرسله إليها في سنة ثنتين وخمسين وخمسمائة وحمل الباب العتيق إليه فاتخذه تأبوتاً يدفن فيه، واتصلت الخطبة لبني العباس إلى سنة خمس وخمسين، وبويع المستنجد فخطب له كما كان يخطب لأبيه المقتفي.
ثم قتل قاسم بن أبي فليتة سنة ست وخمسين وخمسمائة، وولي بعده ابنه عيسى في أيام العاضد: آخر خلفاء الفاطميين بمصر، وتوفي المستنجد وبعث المستضيء بالركب العراقي وانقضت دولة الفاطميين بمصر، ووليها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فخطب له بالحرمين الشريفين.
والذي ذكره السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن عيسى عم قاسم سير الحاج في سنة ست وخمسين وخمسمائة وقام مكان ابن أخيه قاسم المذكور، ثم عاد قاسم فملك مكة، ثم هرب وعاد عمه عيسى فملكها وهرب قاسم إلى جبل أبي قبيسٍ فوقع عن فرسه فأمسكه عيسى وقتله.
ثم مات المستضيء وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين، وحجت أمه وعادت فأنهت إليه من أحوال عيسى بن قاسم أمير مكة ما عزله به؛ وولى مكانه أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر، وهو الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيسسٍ، ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وبموته انقرضت دولة الهواشم بمكة.
وذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة في تاريخه أن أمير حاج العراق في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة توجه من عند الخليفة بعزله، فجرى بينهما حرب انتهى الأمر فيها إلى انهزام مكثر المذكور، وأقيم أخوه داود مكانه. وما زالت الإمرة فيه تارة، وفي أخيه مكثر تارة حتى مات داود في سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وقال: إنه داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم.
الطبقة السادسة: بنو قتادة:
نسبة إلى قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
وكان السبب في ولايته مكة أنها لما كانت مع الهواشم كان بنو حسن مقيمين بنهر العلقمية من وادي ينبع، فجمع قتادة قومه بني مطاعن وأسالف بني أحمد وبني إبراهيم وتأمر عليهم وملك ينبع، ثم ملك الصفراء، وسار إلى مكة فانتزعها من الهواشم المتقدم ذكرهم وملكها، وخطب للناصر لدين الله العباسي: خليفة بغداد وتعاظم أمره حتى ملك مع مكة والينبع أطراف اليمن وعض أعمال المدينة وبلاد نجد، ولم يفد على أحد من الخلفاء ولا من الملوك، وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة؛ وولي مكانه ابنه الحسن فامتعض لذلك أخوه راجح بن قتادة، ثم قدم الملك المسعود أقسر بن الكامل صاحب اليمن سنة عشرين وستمائة من اليمن إلى مكة وملك مكة وقتل جماعة من الأشراف ونصب رايته وأزال راية أمير الركب الذي من جهة الخليفة، فكتب الخليفة من بغداد إلى أبيه الكامل يعاتبه في ذلك، فكتب الكامل إلى ابنه أقسر: برئت يا أقسر من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وذهب حسن بن قتادة إلى بغداد صريخاً فمات بها سنة ثنتين وعشرين وستمائة، ومات أقسر بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى، وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ؛ وقصد راجح بن قتادة مكة مع عساكر عمر بن رسول فملكها من يد فخر الدين بن الشيخ سنة تسع وعشرين وستمائة.
ثم جاءت عساكر مصر سنة ثنتين وثلاثين مع الأمير جبريل فملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن، ثم عاد ومعه عمر بن رسول صاحب اليمن بنفسه فهربت عساكر مصر، وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد الخليفة المستنصر.
ثم غلب على مكة سنة سبع وأربعين وستمائة أبو سعد الحسن بن علي بن قتادة ولحق راجحٌ باليمن؛ وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين وستمائة إلى الناصر بن العزيز بن الظاهر بن أيوب بدمشق مستجيشاً على أبي سعد أن يقطع ذكر صاحب اليمن، فجهز له عسكراً وسار إلى مكة فقتل أبا سعد في الحرم وملك مكة، ثم وصل راجح من اليمن إلى مكة وهو شيخ كبير السن وأخرج منها جماز بن حسن فلحق بالينبع.
ثم دار أمر مكة بين أبي نمي محمد بن أبي سعد علي بن قتادة وبين غالب ابن راجح بن قتادة، ثم استبد أبو نمي بإمرة مكة ونفى قبيلة أبيه أبي سعد إلى الينبع.
ولما هلك أبو نمي قام بأمر مكة من بعده ابناه رميثة وحميضة ونازعهما أخواهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهما، ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل المملكة المصرية في الأيام الناصرية فأطلق عطيفة وأبا الغيث وولاهما، وأمسك رميثة وحميضة وبعث بهما إلى مصر، ثم رد السلطان رميثة وحميضة إلى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعثا إليه بعطيفة وأبي الغيث، وبقي التنازع بينهم، وهم يتعاقبون في إمرة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبو الغيث في بعض حروبهم بطن مر.
ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر سنة خمس عشرة وسبعمائة فأمده بعساكر وجه بها إلى مكة واصطلحوا.
ثم خالفهم عطيفة سنة ثمان عشرة وسبعمائة ووصل إلى السلطان فأمده بالعساكر فملك مكة وقبض على رميثة فسجن ثم أطلق سنة عشرين وأقام بمصر، وبقي حميضة مشرداً إلى أن استأمن السلطان فأمنه، ثم وثب بحميضة مماليك كانوا معه وقتلوه، وأطلق رميثة من السجن واستقر شريكاً لأخيه عطيفة في إمارتها.
ثم مات عطيفة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلاً بإمارة مكة إلى أن كبر وهرم.
وإلى ذلك أشار في التعريف بقوله: وأول إمرة في رميثة وهو آخر من بقي من بيته، وعليه كان النص من أبيه دون البقية مع تداولهم لها، وكان ابناه بقية وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه، ثم أراد الرجوع فلم يوافقاه عليه واستمرا معه في الولاية.
ولما مات رميثة تنازع ولداه: بقية وعجلان، وخرج بقية وبقي عجلان بمكة، ثم غلبه عليها بقية، ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين وسبعمائة فولى السلطان عجلان، وفر بقية إلى الحجاز فأقام هناك منازعاً لعجلان من غير ولاية، وعجلان هو المستبد بها مع سلوك سيرة العدل والإنصاف والتجافي عن أموال الرعية والتعرض للمجاورين إلى أن توفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة.
وولي بعده ابن أحمد، وكان قد فوض غليه الأمر في حياته وقاسمه في أمره، فقام أحمد بأمر مكة جارياً على سنن أبيه في العدل وحسن السيرة، ومات في رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة في الدولة الظاهرية برقوق.
فولي مكانه ابنه محمد، وكان صغيراً في كفالة عمه كبيش بن عجلان فبقي حتى وثب عليه فداوي عند ملاقاة المحمل فقتله؛ ودخل أمير الركب إلى مكة فولى عنان بن مغامس بن رميثة مكانه.
ثم لحق علي بن عجلان بالأبواب السلطانية بمصر فولاه الظاهر برقوق سنة تسع وثمانين وسبعمائة شريكاً لعنان وسار مع أمير الركب إلى مكة فهرب عنانٌ ودخل علي بن عجلان مكة فاستقل بإمارتها؛ ثم وفد علي بن عجلان على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفره بالإمارة وأنزل عنان بن مغامس عنده وأحسن إليه؛ ثم اعتقله بعد ذلك وبقي علي بن عجلان في إمارة مكة حتى قتل ببطن مر في سنة سبع وتسعين وسبعمائة.
فولى السلطان ابن أخيه حسن بن أحمد مكانه واستبد بإمرة مكة وهو بها إلى هذا العهد. وهو حسن، بن أحمد، بن عجلان، بن رميثة، بن أبي نمي محمد، بن أبي سعد، علي، بن أبي عزيز قتادة، بن إدريس، بن مطاعن، بن عبد الكريم، بن موسى، بن عيسى، بن سليمان، بن عبد الله، بن أبي الكرام، بن موسى الجون، بن عبد الله، بن حسن، بن الحسن السبط، بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.